نشطت الحركة السياسية المغربية منذ عقد الثلاثينيات من القرن العشرين ، فطالبت خلال فترة ما بين الحربين بالإصلاحات والمساواة مع الفرنسيين المقيمين في المغرب ، وبعد الحرب العالمية الثانية طالبت بتحقيق الاستقلال ، وبفضل ثورة الملك والشعب
حقق المغرب استقلاله واسترجع سيادته على جميع ترابــــه الـــوطنـــــي ।
فما ظروف نشأة الحركة السياسية المغربية ؟ وما الوسائل التي اعتمدت عليها ؟ وكيف نجحت في تحقيق الاستقــــــــــلال واستكمال
الوحـــــــدة الترابية ؟ .
1= نشــوء وتطــور الحــركــة الــــوطنيــة المغــــربيــــــــة .
1-1: مهدت عدة عوامل لميلاد الحركة الوطنية المغربية في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين :
+ نستعرض في النقط التالية دوافع وظروف نشأة الحركة الوطنية المغربيـــــة :
-- توقف المقاومة المسلحة التي قامت بها القبائل المغربية ضد الاحتلال العسكري ، الفرنسي والإسباني ما بين 1912 و 1934 ।
-- تأزم الوضع الاقتصادي لدى مختلف شرائح الشعب المغربي بفعل الاستغلال الاستعماري الذي تعرضت له البلاد ।
-- نمو الاتجاه السلفي الذي ربط فساد العقيدة الدينية بفساد الوضع السياسي لذا انطبع هذا الاتجاه بمضمون وطني يعادي التمـــركــــــز الاستعماري ।
-- إصدار الظهير البربري ، من قبل إدارة الحماية في 16ماي 1930، الذي استهدف تكسير وتفتيت وحــدة الشعب المغربـــــي । وقد أثار هذا الظهير موجة من الاحتجاجات شاركت فيها مختلف شرائح المجتمع المغربي ، قوبلت بالقمع من طرف إدارة الاحتـــــــلال ।فكيف واجهت الحركة الوطنية هذا الوضع وما وسائل عملها ؟
2-1: اعتمدت الحركة الوطنية على وسائل مختلفة في نضالها ضد المستعمر خلال فترة الثلاثينيات :
دفعت ظروف الاحتجاج على " الظهير البربري " ، وسياسة القمع التي نهجتها إدارة الحماية ، رجال الحركة الوطنية إلى ابتكار وسائل
عمل لصيانة هوية الشعب المغربي والدفاع عن حقوقه ، منهـــــا :
-- إنشاء مدارس لتلقين الثقافة العربية / الإسلامية للمغـــاربـــة صونا لهويتهم المهددة من طرف الثقافة التي حملها المستعمر للبـــــلاد ،
إصدار المجلات والجرائد على يد مجموعة من المثقفين المغاربة ، منها : " المغرب " التي أسسها احمد بلافريج ، و" عمل الشعب " التـــــي أسسها محمد حسن الوزاني ...الخ ، وقد تصدت جميعها للدفاع عن القضية المغربية । تأسيس الجمعيات ذات الطابع الوطني مثل " جمعية طلبةشمال إفريقيا " و " جمعية المطالب المغربية " ।
-- تأسيس الأحزاب ، تكتل الوطنيون المغاربة في عدة تنظيمات سياسية ، سواء في منطقة الاحتلال الفرنسي أو في المنطقة الخليفية ।
- في منطقة النفوذ الفرنسي : برز في هذه المرحلة أول تنظيم سياسي هو حزب " كتلة العمل الوطني " سنة 1933 الذي ترأسه علال الفاسي لكنه انشق سنة 1937 إلى حزبين هما : " الحزب الوطني بزعامة علال الفاسي ، والحركة القومية بزعامة محمد حسن
الوزاني .- في منطقة النفوذ الإسباني ، ظهر حزب " الإصلاح الوطني " سنة 1936 بزعامة عبد الخالق الطريس ، وحزب " الوحدة المغربية " سنــة1937 برئاسة محمد المكي الناصري .
3-1: اتسمت مطالب الحركة الوطنية المغربية ، خلال الثلاثينيات بالاعتدال :
+ في منطقة النفوذ الفرنسية :
رفعت " كتلة العمل الوطني " إلى الإقامة العامة والسلطان ميثاقا أسمته ب" برنامج الإصلاحات " ، اتسم هذا الميثاق بالاعتدال لأنه لم
ينص على إلغاء الحماية والمطالبة بالاستقلال بل طالب الإدارة الفرنسية بإحداث بعض الإصلاحات لصالح الشعب المغربي فــــــــــي المجــــــــالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمالية .
+ في منطقة النفوذ الإسبانية :
استغلت الحركة الوطنية وصول الحكومة الجمهورية إلى السلطة بإسبانيا وقدمت لها مطالب الأمة المغربية المتمثلة في: انتخاب مجالس استشارية، و فتح مدارس ابتدائية وثانوية في المدن والبوادي تدرس فيها البرامج باللغة العربية إلى جانب اللغة الإسبانية و فتح مدارس فلاحية وصناعية وإرسال التلاميذ إلى المدارس العليا الإسبانية لتلقي العلوم و دعم الفلاح بالأدوات الإنتاجية وبالقروض الميسرة...الخ .
قصارى القول أن هذه المطالب لم تلق استجابة من طرف الاستعمار مما دفع الحركة الوطنية المغربية للمطالبة بالاستقـــــــلال مستفيـــــــــدة بالمستجدات الدولية خلال فترة الأربعينيات .
2= تطور الحركة الوطنية والاتجاه نحو الاستقلال واستكمال الوحدة الترابية .
1-2:طالبت الحركة الوطنية بالاستقلال مستغلة المستجدات الدولية خلال الأربعينيات :
+ ظروف تحول الحركة الوطنية خلال الأربعينيات :
طورت الحركة الوطنية المغربية عملها خلال الأربعينيات مستفيدة من ظروف داخلية وخارجية . فعلى الصعيد الداخـــــــــــلي عرفت الساحـــــــــــة المغربية اشتداد حملات القمع والنفي والاعتقال في صفوف الوطنيين المغاربة،وتردت الأوضاع الاقتصاد والاجتماعية للعمال المغاربة ، مما دفعهم للانخراط في النضال الوطني عبر النقابات والأحزاب الجديدة التي تأسست في بداية الأربعينيات .
وعلى المستوى العالمي طرأت عدة مستجدات استفادت منها الحركة الوطنية ، منها : اندلاع الحرب العالمية الثنية والاجتياح النازي لفرنسا وتطور حركات التحرر في العالـــــــم وإعلان الميثاق الأطلسي الذي نص على حق الشعوب في تقرير مصيرهـــــا ...
+ المطـالـبــة بالاستقـــــــلال :
استثمرت الحركة لوطنية الظروف والمستجدات التي ذكرناه أعلاه فطالبت باستقلال المغرب ، حيث أقدم حزب الاستقلال بدعم وتأييد مــــــن السلطان محمد الخامس على تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال ، يوم 11يناير 1944 ، فردت إدارة الحماية بقمع ونفي وتقتيل الوطنيين المغاربة
لمدينة طنجة ولمنطقة الاحتلال الإسباني سنة1947 ، فتضايقت سلطات الاستعمار فأقدمت على عزله ونفيه، فاندلعت عمليات فدائية عمت
كل التراب الوطني ، منها محاولة قتل محمد بن عرفة الذي عينته سلطات الحماية ملكا على المغرب وقد نفذها علال بن عبد الله .
2-2: استقلال المغرب واستكمال وحدته الترابية .
أدى تزايد العمليات الفدائية ، بعد نفي محمد الخامس إلى استجابة فرنسا وإسبانيا لمطالب المغرب الاستقلالية ، ففتحت مفاوضات من أجل ذلك ، أهمها :
- المفاوضات مع فرنسا ، منها مفاوضات إيكس ليبان مابين 22و27غشت 1955 التي انتهت بعزل ابن عرفة وتشكيل حكومة مغربية
مؤقتة ومجلس للعرش وعودة محمد الخامس من المنفى .وأجريت المفاوضات النهائية بمدينة سان كلودSaint-Cloud الفرنسية حيث تم استكمال نقاش ما تقرر في مفاوضات ايكس-ليبان وانتهت بالتأكيد على استقلال المغرب وعودة جلالة محمد الخامس إلى ارض الوطن في 16نونبر 1955، و في 2 مارس 1956 اعترفت فرنسا باستقلال المغرب،كما اعترفت إسبانيا باسترجاع المغرب للقسم الشمالي في 17ابريل 1956.
- المفاوضات مع إسبانيا ، أقرت استرجاع المغرب للمنطقة الخليفية بالشمال . ثم اللقاء الدولي في فضالة وطنجة يوم 29أكتوبر1956الذي اعترف باسترجاع المغرب لمنطقة طنجة الدولية .
ظل المغرب يطالب باسترجاع أقاليمه الجنوبية من يد الاحتلال الإسباني الذي اصطدم بمقاومة قبائل آيت باعمران وجيش التحرير فتراجع إلى مدينة سيدي إفني ، ثم سلمت إسبانيا طرفاية إلى المغرب عام 1969 ، وأخيرا حصل المغرب على حكم من محكمة العدل الدولية يؤكد حق المغرب في أقاليم الساقية الحمراء ووادي الذهب ، فنظم مسيرة شعبية لاسترجاعهما ( المسيرة الخضراء ) ابتداء من 1975.
خــاتمــــة .
أسفر التلاحم بين الشعب المغربي والسلطان سيدي محمد بن يوسف عن استقلال البلاد وزوال الحجر والاستعمار ، وتمكن خلفه المغفور له الحسن الثاني من استعادة الأقاليم الصحراوية إلى حضيرة الوطن